فصل: الحديث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رُبمَا استسقى وَرُبمَا ترك، وَلم يتْرك الصَّلَاة عِنْد الخسوف بِحَال».
أما كَونه عَلَيْهِ السَّلَام استسقى فَصَحِيح مَشْهُور كَمَا ستعلمه فِي بَابه، وَأما كَونه تَركه؛ فَلَعَلَّ مُرَاده ترك الاسْتِسْقَاء بِالصَّلَاةِ واستسقى بِالدُّعَاءِ، لَا أَنه ترك مُطلقًا، وَأما كَونه لم يتْرك الصَّلَاة عِنْد الخسوف بِحَال فَهُوَ الظَّاهِر من استقراء أَفعاله.

.الحديث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يداوم عَلَى التَّرَاوِيح، ودوام عَلَى السّنَن الرَّاتِبَة».
أما عدم مداومته عَلَى التَّرَاوِيح فَسَيَأْتِي فِي الْبَاب من حَدِيث عَائِشَة؛ حَيْثُ ذكره الرَّافِعِيّ، وَأما مداومته عَلَى السّنَن الرَّاتِبَة فَهُوَ الظَّاهِر من حَاله أَيْضا.

.الحديث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أَوْصَانِي خليلي بِثَلَاث لَا أدعهن لشَيْء أَوْصَانِي بصيام ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر، وَلَا أَنَام إِلَّا عَلَى وتر، وسبحة الضُّحَى فِي الْحَضَر وَالسّفر».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه بِلَفْظ: «أَوْصَانِي خليلي بِثَلَاث لن أدعهن مَا عِشْت: بصيام ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر، وَصَلَاة الضُّحَى، وَأَن لَا أَنَام إِلَّا عَلَى وتر».
رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالْبَزَّار بِلَفْظ الرَّافِعِيّ.
قَالَ الْبَزَّار: وَإِسْنَاده حسن.
قلت: لَكِن فِي إِسْنَاده: أَبُو إِدْرِيس السكونِي وَلَا يعرف، رَوَى عَنهُ غير صَفْوَان بن عَمْرو؛ فحاله مَجْهُولَة قَالَه ابْن الْقطَّان قَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ عِنْده حسن- أَي: عِنْد الْبَزَّار بِاعْتِبَار الْخلاف فِي قبُول المساتير؛ للْخلاف فِي أَصلٍ قَبْلَه وَهُوَ: من علم إِسْلَامه هَل تقبل رِوَايَته وشهادته مَا لم يظْهر من حَاله مَا يمْنَع من ذَلِك؟ أَو يَنْبَغِي وَرَاء الْإِسْلَام مزِيد لَهُ هُوَ الْمعبر عَنهُ بِالْعَدَالَةِ؟
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز، عَن أبي الزِّنْبَاع عَن أبي الدَّرْدَاء: «أَوْصَانِي خليلي بِصَوْم ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر، وَالْوتر قبل النّوم».
قَالَ مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز: وَلَا أَدْرِي أذكر الْغسْل يَوْم الْجُمُعَة أم رَكْعَتي الْفجْر. وَجزم فِي مَوضِع آخر فَقَالَ: وركعتي الْفجْر.
فَائِدَة: رُوِيَ مثل حَدِيث أبي الدَّرْدَاء هَذَا غَيره من الصَّحَابَة: رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أَوْصَانِي خليلي أَبُو الْقَاسِم بِثَلَاث لَا أدعهن حَتَّى أَمُوت: صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر، وركعتي الضُّحَى، وَأَن لَا أَنَام إِلَّا عَلَى وتر» وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ «ونوم عَلَى وتر» وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد بدل: «الضُّحَى» «وَالْغسْل يَوْم الْجُمُعَة» وَفِي رِوَايَة لأبي أَحْمد الْحَاكِم فِي كناه وَلأبي بكر الْخَطِيب فِي تلخيصه بعد قَوْله: «وَأَصُوم من كل شهر ثَلَاثًا: ثَلَاث عشر وَأَرْبع عشر وَخمْس عشر وهُنَّ الْبيض» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه بِلَفْظ: «أَوْصَانِي خليلى بِثَلَاث لَا أدعهن فِي سفر وَلَا حضر» فَذَكرهنَّ. وَرَوَاهُ أَبُو ذرٍّ أَيْضا: «أَوْصَانِي حبي بِثَلَاث لَا أدعهن: بِصَلَاة الضُّحَى وَالْوتر قبل النّوم، وبصيام ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر». رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث عَطاء بن يسَار عَنهُ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا.

.الحديث الخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن أم هَانِئ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى يَوْم الْفَتْح سبْحَة الضُّحَى ثَمَان رَكْعَات؛ يسلم من كل رَكْعَتَيْنِ».
هَذَا الحَدِيث أَصله فِي الصَّحِيحَيْنِ بعضه وَفِي آخرهَا: «وَصَلى ثَمَان رَكْعَات ملتحفًا فِي ثوب وَاحِد وَذَلِكَ ضحى» وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «صَلَّى ثَمَان رَكْعَات سبْحَة الضُّحَى».
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِاللَّفْظِ الَّذِي سقناه أَولا بإسنادٍ عَلَى شَرط البُخَارِيّ.
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي تَرْجَمَة أم هَانِئ بِلَفْظ: «فَصَلى صَلَاة الضُّحَى ثَمَان رَكْعَات».
وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه: «فَصَلى الضُّحَى ثَمَان رَكْعَات».
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه لَكِن بِلَفْظ: «فَصَلى الضُّحَى أَربع رَكْعَات» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «ثمَّ صَلَّى ثَمَان رَكْعَات لم يصلهن قبل يَوْمئِذٍ وَلَا بعده».
وَاسم أم هَانِئ فَاخِتَة- عَلَى الْمَشْهُور- وَسَتَأْتِي بَقِيَّة الْأَقْوَال فِيهَا فِي بَاب الْأَيْمَان- إِن شَاءَ الله.
وهانئ بهمز آخِره والسبحة- بِضَم السِّين-: الصَّلَاة.

.الحديث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَأكْثر الضُّحَى: ثنتا عشرَة رَكْعَة ذكره الرَّوْيَانِيّ، وَورد فِي الْأَخْبَار.
هُوَ كَمَا قَالَ؛ فَفِي سنَن الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي ذَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن صليت الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لم تكْتب من الغافلين، وَإِن صليتها أَرْبعا كتبت من الْمُحْسِنِينَ، وَإِن صليتها ستًّا كتبت من القانتين، وَإِن صليتها ثمانيًا كتبت من الفائزين، وَإِن صليتها عشرا لم يكْتب لَك ذَلِك الْيَوْم ذَنْب، وَإِن صليتها ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة بنى الله لَك بَيْتا فِي الْجنَّة».
ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فِي إِسْنَاده نظر.
وَذكره ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح بِدُونِ ذكر الضُّحَى، وَهَذَا لَفظه عَن ابْن عمر قَالَ: «قلت لأبي ذَر: يَا عماه، أوصني. قَالَ: سَأَلتنِي كَمَا سَأَلت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن صليتَ رَكْعَتَيْنِ لم تكْتب من الغافلين، وَإِن صليت أَرْبعا كتبت من العابدين، وَإِن صليت ستًّا لم يلحقك ذَنْب، وَإِن صليت ثمانيًا كتبت من القانتين، وَإِن صليت اثْنَتَيْ عشرَة رَكْعَة بنى الله لَك بَيْتا فِي الْجنَّة، وَمَا من يَوْم وَلَا لَيْلَة وَلَا سَاعَة إِلَّا وَللَّه فِيهَا صَدَقَة يمنّ بهَا عَلَى من يَشَاء من عباده، وَمَا منّ عَلَى عبد بِمثل أَن يلهمه ذكره».
وَفِي الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء بِمثل حَدِيث أبي ذرٍّ كَمَا سَاقه الْبَيْهَقِيّ، وَفِيه مُوسَى بن يَعْقُوب الزَّمْعي، وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ.
وَفِي جَامع التِّرْمِذِيّ وسنَن ابْن مَاجَه عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة بنى الله لَهُ قصرًا من ذهب فِي الْجنَّة».
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث غَرِيب.
ثمَّ اعْلَم أَن مَا ذكره الرَّافِعِيّ عَن الرَّوْيَانِيّ وَأقرهُ فِي أَن أَكثر الضُّحَى مَا ذكره: خَالفه فِيهِ الْأَكْثَرُونَ، وَقَالُوا: أَكْثَرهَا ثَمَان رَكْعَات، كَمَا نَقله عَنْهُم النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وَصَححهُ فِي «تحفته» وَإِن كَانَ فِي «روضته» و«منهاجه» تبع الرَّافِعِيّ.

.الحديث السَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد فَلَا يجلس حَتَّى يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَمَا سلف فِي بَاب مَوَاقِيت الصَّلَاة، فِي الحَدِيث الثَّامِن بعد الثَّلَاثِينَ مِنْهُ.
وَفِي رِوَايَة لِابْنِ أبي شيبَة: «أعْطوا الْمجَالِس حَقّهَا. قيل: وَمَا حَقّهَا؟ قَالَ: رَكْعَتَيْنِ قبل أَن تجْلِس».
وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان فِي صَحِيحه: «إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد فليركع رَكْعَتَيْنِ قبل أَن يجلس أَو يستخبر».
وَفِي رِوَايَة لِلْحَارِثِ بن أبي أُسَامَة: «لَا يجلس وَلَا يستخبر حَتَّى يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ».

.الحديث الثَّامِن بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «لم يكن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى شَيْء من النَّوَافِل أَشد تعاهدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتي الْفجْر».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ بالسياقة الْمَذْكُورَة.

.الحديث التَّاسِع بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «رَكعَتَا الْفجْر خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه مُنْفَردا بِهِ كَذَلِك.

.الحديث الأَرْبَعُونَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من لم يُوتر فَلَيْسَ منا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده، وَأَبُو دَاوُد فِي سنَنه، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من رِوَايَة عبيد الله بن عبد الله الْعَتكِي، عَن عبد الله بن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْوتر حق؛ فَمن لم يُوتر فَلَيْسَ منا» هَذَا لفظ الْحَاكِم.
وَلَفظ أَحْمد: «الْوتر حق؛ فَمن لم يُوتر فَلَيْسَ منا- قَالَهَا ثَلَاثًا».
وَلَفظ أبي دَاوُد: «الْوتر حق؛ فَمن لم يُوتر فَلَيْسَ منا- وَكرر هَذَا اللَّفْظ ثَلَاثًا».
وَعبيد الله بن عبد الله الْعَتكِي هَذَا قَالَ البُخَارِيّ: عِنْده مَنَاكِير. وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: ينْفَرد عَن الثِّقَات بالأشياء المقلوبات.
وَوَثَّقَهُ يَحْيَى. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: صَالح الحَدِيث وَأنكر عَلَى البُخَارِيّ إِدْخَاله فِي كتاب الضُّعَفَاء وَقَالَ: يحول. وَقَالَ ابْن عدي: هُوَ عِنْدِي لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه: هُوَ مروزي ثِقَة يجمع حَدِيثه.
وَاخْتلف الْحفاظ فِي تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث بِحَسب الْكَلَام فِي عبيد الله الْعَتكِي هَذَا فَقَالَ الْحَاكِم- بعد أَن أخرجه- فِي مُسْتَدْركه: هَذَا حَدِيث صَحِيح وَلم يخرجَاهُ.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب: إِن قَالُوا: الْعَتكِي هَذَا ضعفه البُخَارِيّ، قُلْنَا: وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين.
وَظَاهر هَذَا مِنْهُ تَصْحِيحه، وَكَذَا ظَاهر إِيرَاد عبد الْحق؛ فَإِنَّهُ لما ذكر الحَدِيث قَالَ: فِي إِسْنَاده عبيد الله الْعَتكِي وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين، وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: صَالح الحَدِيث.
وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فضعفه فِي تَحْقِيقه وعلله وَقَالَ: إِنَّه لَا يَصح. وَضَعفه أَيْضا النَّوَوِيّ فِي خلاصته وَقَالَ فِي شرح الْمُهَذّب: هَذَا الحَدِيث فِي إِسْنَاده عبيد الله الْعَتكِي وَالظَّاهِر أَنه مُنْفَرد بِهِ، وَقد ضعفه البُخَارِيّ وَغَيره، وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين وَغَيره.
قلت: وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق آخر من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة.
قَالَ أَحْمد فِي مُسْنده: نَا وَكِيع، حَدثنِي خَلِيل بن مرّة، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه: «من لم يُوتر فَلَيْسَ منا».
وَهَذَا ضَعِيف ومنقطع؛ فَإِن الْخَلِيل بن مرّة وهاه يَحْيَى وَالنَّسَائِيّ. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَمُعَاوِيَة بن قُرَّة لم يسمع من أبي هُرَيْرَة وَلَا لقِيه، كَمَا قَالَه الإِمَام أَحْمد.

.الحديث الحَادِي بعد الْأَرْبَعين:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى بِالنَّاسِ عشْرين رَكْعَة لَيْلَتَيْنِ، فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَة الثَّالِثَة اجْتمع النَّاس فَلم يخرج إِلَيْهِم، ثمَّ قَالَ من الْغَد: خشيت أَن تفرض عَلَيْكُم فَلَا تطيقونها».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث عَائِشَة بِدُونِ تعْيين عدد الرَّكْعَات، وَإِنَّمَا فِيهِ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى فِي الْمَسْجِد ذَات لَيْلَة، فَصَلى بِصَلَاتِهِ نَاس، ثمَّ صَلَّى من الْقَابِلَة فَكثر النَّاس، ثمَّ اجْتَمعُوا من اللَّيْلَة الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة فَلم يخرج إِلَيْهِم، فَلَمَّا أصبح قَالَ: قد رَأَيْت الَّذِي صَنَعْتُم فَلم يَمْنعنِي من الْخُرُوج إِلَيْكُم إِلَّا أَنِّي خشيت أَن تفرض عَلَيْكُم- وَذَلِكَ فِي رَمَضَان» وَفِي رِوَايَة أُخْرَى فِي الصَّحِيح: «فَلَمَّا كَانَ من اللَّيْلَة الرَّابِعَة عجز الْمَسْجِد عَن أَهله، فَلم يخرج إِلَيْهِم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَطَفِقَ رجال مِنْهُم يَقُولُونَ: الصَّلَاة. فَلم يخرج إِلَيْهِم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى خرج لصَلَاة الْفجْر» وَذكر نَحوه. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى فِيهِ: «خشيت أَن تفرض عَلَيْكُم صَلَاة اللَّيْل فتعجزوا عَنْهَا» زَاد البُخَارِيّ فِي بعض طرقه: «فَتوفي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْأَمر عَلَى ذَلِك».
وَأما تعْيين عدد الرَّكْعَات فَفِي سنَن الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي شيبَة عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فِي شهر رَمَضَان، فِي غير جمَاعَة بِعشْرين رَكْعَة وَالْوتر».
ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ أَبُو شيبَة إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان الْعَبْسِي الْكُوفِي، وَهُوَ ضَعِيف.
قلت: بِإِجْمَاع ضعفه ابْن معِين وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ خَ: سكتوا عَنهُ. وَقَالَ النَّسَائِيّ وَغَيره: مَتْرُوك.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن عمر «أَن النَّاس كَانُوا يقومُونَ عَلَى عَهده بِعشْرين رَكْعَة».
وَرَوَى هُوَ وَابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه مثله عَن عَلّي.
ورُوِيَ عَن يزِيد بن رُومَان قَالَ: «كَانَ النَّاس يقومُونَ فِي زمن عمر بن الْخطاب بِثَلَاث وَعشْرين رَكْعَة».
رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَالْبَيْهَقِيّ لكنه مُرْسل؛ فَإِن يزِيد بن رُومَان لم يدْرك عمر.
وَفِي رِوَايَة لَهُ من طَرِيق آخر «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَمر أبي بن كَعْب وتميمًا أَن يقوما بِإِحْدَى عشرَة».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: يجمع بَين الرِّوَايَات بِأَنَّهُم كَانُوا يقومُونَ بِإِحْدَى عشرَة ثمَّ قَامُوا بِعشْرين وأوتروا بِثَلَاث.
وَأما ابْن عبد الْبر فَجعل رِوَايَة إِحْدَى عشرَة وهما، فَقَالَ: لَا أعلم أحدا قَالَ فِيهِ إِحْدَى عشرَة غير مَالك.
قلت: رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، عَن عبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي، عَن مُحَمَّد بن يُوسُف- شيخ مَالك- فقد تظافر مَالك وَعبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي عَلَى ذَلِك.
وَفِي صَحِيح أبي حَاتِم بن حبَان من حَدِيث جَابر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى بهم فِي الأول ثَمَان رَكْعَات ثمَّ أوتر، وَلم يخرج لَهُم فِي الثَّانِيَة، وَقَالَ: إِنِّي خشيت- أَو كرهت- أَن يكْتب عَلَيْكُم الْوتر».
قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان: هَذَا وَخبر عَائِشَة لَفْظهمَا مُخْتَلف، ومعناهما متباين؛ إِذْ هما فِي حالتين فِي شَهْري رَمَضَان لَا فِي حَالَة وَاحِدَة فِي شهر وَاحِد.

.الحديث الثَّانِي بعد الْأَرْبَعين:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج ليَالِي من رَمَضَان، وَصَلى فِي الْمَسْجِد وَلم يخرج بَاقِي الشَّهْر، وَقَالَ: صلوا فِي بُيُوتكُمْ؛ فَإِن أفضل صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إِلَّا الْمَكْتُوبَة».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث زيد بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «احتجر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حجيرة بخصفة- أَو حَصِير- قَالَ عَفَّان أحد رُوَاته:- فِي الْمَسْجِد- وَقَالَ عبد الْأَعْلَى: فِي رَمَضَان- فَخرج النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَلى فِيهَا. قَالَ: فتتبع إِلَيْهِ رجال وَجَاءُوا يصلونَ بِصَلَاتِهِ قَالَ: ثمَّ جَاءُوا إِلَيْهِ فَحَضَرُوا وَأَبْطَأ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهُم فَلم يخرج إِلَيْهِم، فَرفعُوا أَصْوَاتهم وحصبوا الْبَاب، فَخرج إِلَيْهِم رَسُول مغضبًا فَقَالَ لَهُم: مَا زَالَ بكم صنيعكم حَتَّى ظَنَنْت أَنه سيكتب عَلَيْكُم، فَعَلَيْكُم بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتكُمْ؛ فَإِن خير صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إِلَّا الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة».
وَفِي حَدِيث عَفَّان: «وَلَو كتب عَلَيْكُم مَا قُمْتُم بِهِ» وَفِيه: «فَإِن أفضل الصَّلَاة صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إِلَّا الْمَكْتُوبَة».
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد بِإِسْنَاد كل رِجَاله فِي الصَّحِيحَيْنِ إِلَّا أَحْمد بن صَالح؛ فَمن رجال البُخَارِيّ، وَإِلَّا إِبْرَاهِيم بن أبي النَّضر؛ فَمن رجال أبي دَاوُد وَوَثَّقَهُ ابْن سعد- عَن زيد بن ثَابت مَرْفُوعا: «صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته أفضل من صلَاته فِي مَسْجِدي هَذَا إِلَّا الْمَكْتُوبَة».
وَهِي رِوَايَة حَسَنَة، وَفَائِدَة مهمة.

.الحديث الثَّالِث بعد الْأَرْبَعين:

الْخَبَر الْمَشْهُور أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الصَّلَاة خير مَوْضُوع؛ فَمن شَاءَ اسْتَقل ومن شَاءَ استكثر».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طَرِيق أبي ذرٍّ وَأبي أُمَامَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما.
أما الأول: فَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث أبي عَمْرو الدِّمَشْقِي، عَن عبيد بن الخشخاش عَن أبي ذَر قَالَ: «أتيت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي الْمَسْجِد فَجَلَست...» فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: «فَقلت: يَا رَسُول الله، الصَّلَاة؟ قَالَ: خير مَوْضُوع، من شَاءَ أقل وَمن شَاءَ أَكثر».
وَكَذَا رَوَاهُ الْبَزَّار فِي مُسْنده وَأَبُو عَمْرو هَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي حَقه: إِنَّه مَتْرُوك.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «الْأَحَادِيث الطوَال» عَن بكر بن سهل الدمياطي، نَا أَبُو صَالح- كَاتب اللَّيْث- حَدثنِي مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن أبي عبد الْملك مُحَمَّد بن أَيُّوب، عَن ابْن عَائِذ، عَن أبي ذَر... الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، مَا الصَّلَاة؟ قَالَ: خير مَوْضُوع؛ فَمن شَاءَ استكثر، وَمن شَاءَ اسْتَقل».
وَبكر هَذَا ضعفه النَّسَائِيّ. وَأَبُو صَالح من رجال البُخَارِيّ. وَمُعَاوِيَة بن صَالح من رجال مُسلم، وَقد تكلم فيهمَا. وَأَبُو عبد الْملك وَثَّقَهُ ابْن حبَان، وَرَوَاهُ أَيْضا فِي الْكتاب الْمَذْكُور من حَدِيث مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، نَا يَحْيَى بن سعيد السَّعْدِيّ، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن عبيد بن عُمَيْر، عَن أبي ذَر بِهِ.
ومُوسَى هَذَا لَا يحضرني حَاله.
وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي تَارِيخ الضُّعَفَاء من حَدِيث الْحسن بن إِبْرَاهِيم البياضي، عَن يَحْيَى بن سعيد بِهِ.
وَأَبُو نعيم فِي «الْحِلْية» من حَدِيث مُحَمَّد بن مَرْزُوق، عَن يَحْيَى بِهِ.
وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي تَرْجَمَة عِيسَى من كتاب الْفَضَائِل من حَدِيث الْحسن بن عَرَفَة، عَن يَحْيَى بِلَفْظ أَحْمد وَالْبَزَّار، وَلم يعقب الْحَاكِم بِشَيْء.
وَأعله ابْن حبَان فِي ضُعَفَائِهِ بِيَحْيَى هَذَا، وَقَالَ: إِنَّه يروي عَن ابْن جريج المقلوبات وَعَن غَيره من الثِّقَات الملزقات وَلَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا انْفَرد. قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا من حَدِيث ابْن جريج وَلَا من حَدِيث عَطاء وَلَا من حَدِيث ابْن عُمَيْر، وأشبه مَا فِيهِ رِوَايَة أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ، عَن أبي ذَر وَهَذِه الرِّوَايَة أخرجهَا فِي صَحِيحه فَقَالَ: أَنا ابْن قُتَيْبَة وَغَيره، نَا إِبْرَاهِيم بن هِشَام بن يَحْيَى الغساني نَا أبي عَن جدي، عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ، عَن أبي ذَر قَالَ: «دخلت الْمَسْجِد...» الحَدِيث، وَلَفظه: «الصَّلَاة خير مَوْضُوع؛ استكثر أَو أقل».
وَإِبْرَاهِيم هَذَا قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: إِنَّه لم يطْلب الْعلم، وَإنَّهُ كَذَّاب. وَقَالَ عَلّي بن الْجُنَيْد: صدق أَبُو حَاتِم، يَنْبَغِي أَن لَا يحدث عَنهُ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة أَيْضا: كَذَّاب. نَقله ابْن الْجَوْزِيّ.
وَأما ابْن حبَان فَذكره فِي ثقاته وَأخرج حَدِيثه فِي صَحِيحه كَمَا ترَى. وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يرو هَذَا عَن يَحْيَى إِلَّا وَلَده وهم ثِقَات. وَقَالَ أَبُو نعيم فِي «الْحِلْية»: وَرَوَاهُ الْمُخْتَار بن غَسَّان، عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن أبي إِدْرِيس.
وَأما الطَّرِيق الثَّانِي: فَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده أَيْضا من حَدِيث معَان بن رِفَاعَة، عَن عَلّي بن يزِيد عَن الْقَاسِم، بن أبي أُمَامَة قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَسْجِد...» الحَدِيث. إِلَى أَن قَالَ: «قَالَ أَبُو ذَر: قلت: يَا رَسُول الله، أَرَأَيْت الصَّلَاة مَاذَا هِيَ؟ قَالَ: خير مَوْضُوع؛ فَمن شَاءَ اسْتَقل، وَمن شَاءَ استكثر».
وَهَذَا إِسْنَاده واه معَان ضعفه ابْن معِين وَغَيره، وَعلي بن يزِيد مَتْرُوك مُنكر الحَدِيث، وَالقَاسِم مُخْتَلف فِيهِ؛ قَالَ أَحْمد: حدث عَنهُ عَلّي بن يزِيد بأعاجيب، مَا أَرَاهَا إِلَّا من قبل الْقَاسِم. وَضَعفه أَيْضا وَوَثَّقَهُ ابْن معِين والجوزجاني وَالتِّرْمِذِيّ. قَالَ أَبُو نعيم: وَرَوَاهُ عَلّي بن يزِيد، عَن الْقَاسِم، عَن أبي أُمَامَة، عَن أبي ذَر.
فَائِدَة: قَالَ الْخطابِيّ فِي كتاب مَا صحفه الروَاة: قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «خير مَوْضُوع» يرْوَى عَلَى وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن يكون مَوْضُوعا نعتًا لما قبله، يُرِيد أَنَّهَا خير حَاضر، فَاسْتَكْثر مِنْهُ.
وَالْوَجْه الآخر: أَن يكون الْخَيْر مُضَافا إِلَى الْمَوْضُوع، يُرِيد أَنَّهَا أفضل مَا وضع من الطَّاعَات وَشرع من الْعِبَادَات.

.الحديث الرَّابِع بعد الْأَرْبَعين:

عَن ابْن عمر- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «صَلَاة اللَّيْل وَالنَّهَار مثنى مثنى».
هَذَا الحَدِيث أَصله فِي الصَّحِيحَيْنِ بِدُونِ ذكر «النَّهَار»
وَرَوَاهُ بِذكرِهِ: أَحْمد فِي مُسْنده وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمْ، وَالتِّرْمِذِيّ فِي جامعه وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا بأسانيد صَحِيحَة.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: اخْتلف أَصْحَاب شُعْبَة فِي هَذَا الحَدِيث، فرفعه بَعضهم وَوَقفه بَعضهم. قَالَ: وَالصَّحِيح مَا رُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى».
وَرَوَى الثِّقَات عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يذكرُوا فِيهِ صَلَاة النَّهَار.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: هَذِه سنة تفرد بهَا أهل مَكَّة. وَقَالَ النَّسَائِيّ: هَذَا الحَدِيث عِنْدِي خطأ يَعْنِي الَّذِي فِيهِ ذكر «النَّهَار».
وَكَذَا قَالَ الْحَاكِم فِي عُلُوم الحَدِيث: هَذَا حَدِيث لَيْسَ فِي إِسْنَاده إِلَّا ثِقَة ثَبت، وَذكر النَّهَار فِيهِ وهم. وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: إِن ذكر «النَّهَار» وهم.
وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي تمهيده: زَاد الْأَزْدِيّ عَلّي بن عبد الله الْبَارِقي- أحد رجال مُسلم- ذكر «النَّهَار»، وَلم يقلهُ أحد عَن ابْن عمر غَيره، وأنكروه عَلَيْهِ.
وَكَانَ ابْن معِين يضعف حَدِيث الْأَزْدِيّ وَلَا يحْتَج بِهِ وَيَقُول: إِن نَافِعًا وَعبد الله بن دِينَار وَجَمَاعَة رَوَوْهُ عَن ابْن عمر، وَلم يذكرُوا فِيهِ «النَّهَار» ثمَّ ذكر سَنَده عَن ابْن معِين أَنه قَالَ: «صَلَاة النَّهَار أَربع لَا يفصل بَينهُنَّ». فَقيل لَهُ: ابْن حَنْبَل يَقُول: صَلَاة اللَّيْل وَالنَّهَار مثنى مثنى فَقَالَ: بِأَيّ حَدِيث؟ فَقيل لَهُ بِحَدِيث الْأَزْدِيّ عَن ابْن عمر. قَالَ: وَمن الْأَزْدِيّ حَتَّى أقبل هَذَا مِنْهُ وأدع يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه كَانَ يتَطَوَّع بِالنَّهَارِ أَرْبعا، لَا يفصل بَينهُنَّ»؟ إِن كَانَ حَدِيث الْأَزْدِيّ صَحِيحا لم يُخَالِفهُ ابْن عمر.
وَقَالَ الشَّافِعِي: هَكَذَا جَاءَ الْخَبَر عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّابِت فِي صَلَاة اللَّيْل، وَقد يرْوَى عَنهُ خبر يثبت أهل الحَدِيث مثله فِي صَلَاة النَّهَار. وَذكر حَدِيث ابْن عمر هَذَا.
وَذكر الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن فَارس قَالَ: سُئِلَ أَبُو عبد الله- يَعْنِي: البُخَارِيّ- عَن حَدِيث يعْلى أصحيح هُوَ؟ قَالَ: نعم، ويعلى هُوَ رَاوِيه عَن عَلّي بن عبد الله الْأَزْدِيّ.
وَذكر البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ أَنه قَالَ: مَا أدْركْت فُقَهَاء أَرْضنَا إِلَّا يسلمُونَ فِي كل اثْنَتَيْنِ من النَّهَار. وَذكر فِي الْبَاب أَحَادِيث تدل عَلَى ذَلِك، وَحَكَى ذَلِك عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ.
وَقَالَ الْخطابِيّ: رَوَى هَذَا عَن ابْن عمر: نَافِع وَطَاوُس وَعبد الله بن دِينَار ولم يذكر فِيهَا أحد صَلَاة النَّهَار، وَإِنَّمَا هُوَ: «صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى» إِلَّا أَن سَبِيل الزِّيَادَات أَن تقبل.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: هَذِه الزِّيَادَة الَّتِي فِيهَا ذكر النَّهَار عَن أبي عَمْرو، عَن شُعْبَة عَن يعْلى، عَن الْبَارِقي، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا. قَالَ: وَهَكَذَا رَوَاهُ غنْدر وَهُوَ الحكم بَين أَصْحَاب شُعْبَة، ومعاذ الْعَنْبَري وَدَاوُد بن إِبْرَاهِيم وَغَيرهم عَن شُعْبَة. قَالَ: وَهَذَا حَدِيث صَحِيح رُوَاته ثِقَات فقد احْتج مُسلم بعلي الْبَارِقي الْأَزْدِيّ، وَالزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة، وَقد صَححهُ البُخَارِيّ لما سُئِلَ عَنهُ. قَالَ: وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «صَلَاة اللَّيْل وَالنَّهَار مثنى مثنى، وَالْوتر رَكْعَة من آخر اللَّيْل».
قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث غَرِيب بِهَذَا الْإِسْنَاد وَرُوَاته كلهم ثِقَات، وَلَا أعرف لَهُ عِلّة.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ مثله من رِوَايَة عَلّي مَرْفُوعا، وَنَحْوه عَن الْفضل بن الْعَبَّاس مَرْفُوعا.

.الحديث الخَامِس بعد الْأَرْبَعين:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الْوتر: صلوها مَا بَين الْعشَاء إِلَى صَلَاة الصُّبْح».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، نَا عبد الله بن هُبَيْرَة، عَن أبي تَمِيم الجيشاني عَن عَمْرو بن الْعَاصِ، عَن أبي بصرة الْغِفَارِيّ مَرْفُوعا.
وَقد سلف بِلَفْظِهِ فِي الطَّرِيق الرَّابِع من طرق الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين فِي الْبَاب، وقد أسلفنا هُنَاكَ أَن الْحَاكِم أَيْضا رَوَاهُ فِي مُسْتَدْركه وَأعله ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه بِابْن لَهِيعَة وَقَالَ: هُوَ مَتْرُوك.
قلت: وَلم ينْفَرد بِهِ فقد تَابعه سعيد بن زيد، عَن هُبَيْرَة رَوَاهُ أَحْمد أَيْضا عَن عَلّي بن إِسْحَاق، عَن عبد الله- يَعْنِي: ابْن مبارك، عَن سعيد بِهِ. وَسَعِيد من الثِّقَات وَإِن لين.

.الحديث السَّادِس بعد الْأَرْبَعين:

أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من نَام عَن صَلَاة أَو نَسِيَهَا فليصلها إِذا ذكرهَا».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي مَوَاضِع، مِنْهَا التَّيَمُّم.